فضل العشر الأواخر وليلة القدر
كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ، ما لا يجتهد في غيرها ومن ذلك انه كان يعتكف فيها ويتحرى ليلة القدر خلالها البخاري (1913) ومسلم(1169
وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد مئزره " البخاري (1920) ومسلم (1174) زاد مسلم وجَدَّ وشد مئزره
ومن فضائل هذه العشر وخصائصها ومزاياها أن فيها ليلة القدر ، فسماها الله تعالى ليلة القدر وذلك لعظم قدرها وجلالة مكانتها عند الله ولكثرة مغفرة الذنوب وستر العيوب فيها فهي ليلة المغفرة كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) البخاري ( 1910 ) ، ومسلم ( 760 ) .
أخى: ناداك ربك واستحثك
" ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق " ،
وناداك ثانية " قم الليل إلا قليلا " ..
فهل تلبى؟ ..
حقاً أخى : ألم يأن لنا أن نخشع لربنا ؟! ،
ألم يحن الوقت بعد للوقوف بين يديه ندعوه ونرجوه ، ونستعينه ونستهديه ، ونستغفره ونستنصره ؟! ،
ألم يأن لنا أن نصف أقدامنا مع الذين نصبوا أقدامهم وقوفاً لربهم فى وقت قلَّ فيه الواقفون ؟!
، ألم يأن لنا أن تلهج ألسنتنا وأفئدتنا مع المستغفرين بالأسحار ، يدعون ربهم خوفاً وطمعا ؟!
ألم يأن لنا أن نلتحق بالمدرسة التربوية الليلية "إن ناشئة الليل هى أشد وطئاً وأقوم قيلا" ؟! ، أألفت جنوبنا المضاجع ، والصالحون "تتجافى جنوبهم عن المضاجع" ؟! ، أزهدت أنفسنا فى المقام المحمود الذى وعدنا الله إياه؟! "ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا"
وإنه لخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم ولكل من سار على دربه ،
ألم تشتاق أنفسنا لأن يرانا ربنا حين نقوم ؟! " الذى يراك حين تقوم وتقلبك فى الساجدين" ،
ألم تقع عينك فى كتاب الله على تلك المقارنة الربانية : "أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر ألوا الألباب" ،
ثم ألم تعلم أنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ؟!
فإن المرء لا يدري لعله لا يدركها مرة أخرى باختطاف هادم اللذات ومفرق الجماعات والموت الذي هو نازل بكل امرئ إذا جاء أجله ، وانتهى عمره ، فحينئذ يندم حيث لا ينفع الندم .
نحن قوم أعزّ نا الله بالأسلام ومهما أبتغينا العزّه بغيره ...أذلنا الله
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ ) حديث صحيح رواه احمد والترمذي
قال ابن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا حكام بن مسلم عن المثنى بن الصباح عن مجاهد قال كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسي ففعل ذلك ألف شهر فأنزل الله هذه الآية "ليلة القدر خير من ألف شهر" قيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل.
وقال ابن أبي حاتم أخبرنا يونس أخبرنا ابن وهب حدثني مسلمة بن علي عن علي بن عروة قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أربعة من بني إسرائيل عبدوا الله ثمانين عاما لم يعصوه طرفة عين فذكر أيوب وزكريا وحزقيل بن العجوز ويوشع بن نون قال فعجب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك فأتاه جبريل فقال يا محمد عجبت أمتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة لم يعصوه طرفة عين فقد أنزل الله خيرا من ذلك فقرأ عليه "إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر"
هذا أفضل مما عجبت انت وأمتك قال فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه.
وقال سفيان الثوري بلغني عن مجاهد ليلة القدر خير من ألف شهر قال عملها وصيامها وقيامها خير من ألف شهر رواه ابن جرير.
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا إبراهيم بن موسى اخبرنا ابن أبي زائدة عن ابن جريج عن مجاهد ليلة القدر خير من ألف شهر ليس في تلك الشهور ليلة القدر وهكذا قال قتادة بن دعامة والشافعي وغير واحد وقال عمرو بن قيس الملائي عمل فيها خير من عمل ألف شهر وهذا القول بأنها أفضل من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر هو اختيار ابن جرير وهو الصواب لا ما عداه وهو كقوله صلى الله عليه وسلم "رباط ليلة في سبيل الله من ألف ليلة فيما سواه من المنازل" رواه أحمد وكما جاء في قاصد الجمعة بهيئة حسنة ونية صالحة أنه له عمل سنة أجر صيامها وقيامها إلى غير ذلك من المعاني المشابهة لذلك وقال الإمام أحمد حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما حضر رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم" ورواه النسائي من حديث أيوب به
ولما كانت ليلة القدر تعدل عبادتها عبادة ألف شهر ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه
من تفسير بن كثير